إن العلاج النفسى يقوم أساسا على حوار يتم بين طرفين (مريض - معالج)، هذا الحوار يتم غالبا من خلال تبادل الكلمات، أى ينشأ حوار لفظى بين المريض والمعالج، حيث يطلق المريض العنان للسانه كى يعبر عما يجول بخاطره من ذكريات وأحداث ومشاعر وانفعالات كأول خطوة نحو تحقيق الاستبصار بطبيعة مشكلاته والتعرف على أسبابها متقدما نحو الشفاء. غير أنه فى كثير من الأحيان نجد المرضى يتوقفون عن الحوار اللفظى ويلوذون بالصمت طوال الجلسة العلاجية، وبالرغم مما فى الصمت من لغة، فإن الصمت الطويل خلال الجلسات المتعددة إنما يهدد عملية العلاج النفسى ويحول دون تقدمها، بل قد يؤدى إلى فشلها، كذلك فإن المرضى من الأطفال أيضا لا تمكنهم اللغة من إقامة حوار يعكسون من خلاله طبيعة مشكلاتهم ومن ثم لجأ المعالجون النفسيون إلى وسائل أخرى يمكن الاستعانة بها لإقامة الحوار وتحقيق التواصل مع المرضى وخاصة مع الأطفال لعل أهمها فى رأينا استخدام الرسم فى العلاج النفسى، سواء كعامل مساعد أو رئيسى فى العملية العلاجية.
ويعد الرسم عمل فنى تعبيرى يقوم به الطفل، وهو بديل عن اللغة، وهو شكل من التواصل غير اللفظى، وأيضا شكل من أشكال التنفيس، فالأطفال عن طريق الرسم يعكسون مشاعرهم الحقيقية تجاه أنفسهم والآخرين، ومن ثم كانت الرسوم وسيلة ممتازة لفهم العوامل النفسية وراء السلوك المشكل، وقد أثبتت الدراسات النفسية التحليلية للأطفال أننا نستطيع من خلال الرسم الحر الذى يقوم به الطفل أن نصل رأسا إلى لاشعوره، والتعرف على مشكلاته وما يعانيه، وكذلك التعرف على ميوله واتجاهاته ومدى اهتمامه بموضوعات معينة فى البيئة التى يعيش فيها، وعلاقته بالآخرين سواء فى الأسرة أو الرفاق أو الكبار.
ومن ثم فقد لجأ المعالجون النفسيون إلى استخدام الرسوم كوسيلة يمكن من خلالها تحقيق التواصل مع المرضى الذين لا يحسنون التحدث باللغة المنطوقة، على اعتبار أن الرسم إنما هو لغة يمكن من خلالها إقامة جسر للتواصل بين المريض والمعالج لتبادل الأفكار والمعانى فيما بينهما، والكشف عن الصراعات الداخلية لدى المريض. إذ أن لدى الإنسان القدرة على أن يحول الأفكار إلى صور بالقدر الذى يمكن فيه أن يحول الصور إلى أفكار وكلمات.
وطبيعى أن يكون استخدام تكنيك الرسم غير مقتصر على الأطفال، وإنما يمكن استخدامه أيضا مع الراشدين كأسلوب للعلاج النفسى، وبخاصة أولئك الذين لا يرغبون فى الحديث المباشر عن مشكلاتهم وكذلك مع الأشخاص الخجولين، وعلى هذا يكون الرسم أداة مناسبة لإقامة الحوار وتحقيق التواصل مع كل الأشخاص على حد سواء، حتى أولئك الذين لا يجيدون الرسم. لذا يوصى بعض علماء النفس بترك كراسة رسم إلى جوار المريض فى الجلسات العلاجية.
ويعتقد أن الأطفال المتأخرين دراسيا وسيئى التوافق الاجتماعى والانفعالى، وذوى الاحتياجات الخاصة، هم فى حاجة أكبر للتعبير الفنى من الأطفال الأسوياء، ومن ثم فإنه يمكن أن يكون الرسم أداة قيمة لفهم حالات الطفل الانفعالية، وربما تكون المعلومات عن استخدام وتحليل هذه الرسوم أداة هامة للأخصائيين النفسيين بالمدارس فى جهودهم لفهم الانفعالية لتلاميذهم، وفى هذا يؤكد العلماء على ضرورة استخدام الفن فى علاج الأطفال المضطربين نفسيا، حيث يمكن لنشاط الفن أن يهئ هؤلاء الأطفال للعلاج، كما أن الرسوم تعد سجلا بصريا ثابتا للتعرف على مدى تقدم المريض أثناء العلاج. ومما يدعم اهمية استخدام الرسم فى العلاج النفسى أن هذا النوع من العلاج لا يعتمد على مهارة فنية، فلا أهمية ولا ضرورة لذلك، بل على العكس، فالفنان ذو القدرة الفنية ربما يكون أقل عرضة للتعبير العفوى، و "ذلة الفرشاة".
ولقد نوقش استخدام الرسم كأسلوب علاجى للأطفال سيئى التوافق فى دراسات عديدة، ويشكل عام فإن هذه النظرية للعلاج تفترض أن الرسم يعامل على أنه شكل من التنفيس يعبر من خلاله الطفل عن مشاكله، ويستند هذا الأسلوب العلاجى إلى منهج التحليل النفسى فى البحث عن الصراعات الدفينة فى الشخصية، وعلى اعتبار أن المكبوتات يمكن لها أن تظهر عبر الرسوم بأيسر مما يعبر عنها فى كلمات، ويفترض ذلك أن كل فرد سواء قد تدرب فنيا أو لم يتدرب، يملك طاقة كامنة لإسقاط صراعاته الداخلية فى صور بصرية.
هذا وقد يحدث عندما يطلب من المرضى التعبير بالرسم، أن يعترض البعض قائلا بأنه لا يستطيع الرسم، ولكن لما كان المطلوب هو رسم عادى وليس عملا فنيا، فإن الأمر يسهل عليهم. وقد يجد الأطفال صعوبة كبيرة فى البداية فى الحديث عن مدلولات رسومهم، إلا أنهم يعد فترة من الاتصال العلاجى يتداعون غالبا للرسوم ويكشفون بذلك عن الكثير مما يفيد فى التشخيص والعلاج.
د. عادل كمال خضر
أستاذ ورئيس قسم علم النفس
كلية الآداب .. جامعة بنها .. مصر